الحمام الزّاجل

   الحمام الزّاجل هو الحمام الذي يرسل على بعد ويسمّى أيضًا بالحمام الهادي. وأكثر ما يستعمل في أوقات الحروب وآونة الحصاد، فتناط به الرسائل من الموضع المحصور إلى المكان الذي عوِّد الذهاب إليه في الخارج، ثمّ يعود إلى حيث كان بأجوبتها. لذلك لا بدّ أن يكون لكلّ موضع أردت المراسلة إليه، حمام مخصوص يتردّد بين الموضعين فيذهب إلى أحدهما طلبًا للطعام، ويعود إلى الآخر طلبًا للمبيت. وهو يقطع من ألف إلى ألف وخمسمائة متر في الدقيقة.

   وأوّل من استخدم الحمام في الرسائل، العرب في القرن التاسع - القرن الثاني الهجريّ – واستخدامها اليوم، شائع في جميع الممالك. وكثيرًا ما يستخدمها السيّاح في الرّحل القطبيّة، فإذا عرض له إبلاغ وطنه أمرًا أو اتّفق له الوقوع في تهلكة، أطلق واحدة منها برسالة يضمّنها شرح ما أراد، فلا تلبث أن تعود إلى حيث خرجت فتبلّغ الرسالة.

تربيته

   أمّا كيفيّة تربية هذا الحمام، فأوّل ما ينبغي صنعه أن يقطع الطعام البتّة عن الحمام المراد تأديبه واستخدامه في الرسائل، حتّى يأخذه حاقّ الجوع، وعلامته أن ينتصب ريشه وتتقلّص عنقه وحوصلته، وحينئذٍ ينقل إلى المكان المراد تعويده بالذهاب إليه بعد أن يطرح له هناك حبّ كثير، فإذا املأت الحمام حواصلها منه، تُطرد عنه حتّى تعود إلى مكانها الأوّل. ثمّ يعاد عليها ما فعل أولًا، فإذا أطلقت ثانيًا لم تخطىء الطريق حتّى يصير قصد ذلك الموضع مألوفًا كلّما دفعتها حاجة الجوع.

   وينبغي أن يكون الموضع الذي تطعم فيه غرفة خالية لا قواطع فيها ولا مواقع1 ولا شيء آخر ممّا يبعث عند الحمام الميل إلى صنع عشّ فيها أو اتّخاذها موضع إقامة، لأنّ المعروف في طبيعة الحمام أنّه نهم، كسول وغير مبالٍ إلى الخروج، فإذا وجد فيها ما يوافقه وكان في طاقته أن يتردّد إليها ويأكل حاجته كلّما شاء، هجر خليّته شيئًا فشيئًا وألف الموضع الجديد، ولذلك يجب طرده منها بعد الشبع طردًا عنيفًا ثمّ حبسه عنها إلى أن يبلغ منه الجوع ويضطرّه إلى الخروج من موضعه طلبًا للطعام.

                                    الضياء السنة الأولى

 

1 - مواقع: جمع موقِعَة، وهي كلّ ما يقع عليه الطائر.